Saturday, April 11, 2015

منهج المدرسة الأزهرية ومكوناته الرئيسية

منهج المدرسة الأزهرية ومكوناته الرئيسية


في ظل الهجمة الفكرية الشرسة علي الدين الإسلامي التي تتصاعد من ناحية في الجانب التكفيري المتطرف أقصي اليمين وتتصاعد في الاتجاه المعاكس من ناحية دعاة التنوير والحداثة وتجديد الخطاب الديني أصبح واجب  - عليناحتي لا تتلقفنا الحيرة والأهواء ولعب أدوار الدفاع أو التنصل -  التعرف علي المدارس العلمية الكبري والتأمل في مكونات المنهج العلمي لهذه المدارس، علي أمل تلمس طريق ممهد قديصل بنا لبر الامان ومعرفة مكمن الداء والدواء إن شاء الله.

الجامع الأزهر (359 - 361 هـ) / (970 - 972 )

هو من أهم المساجد في مصر وأشهرها في العالم الإسلامي. وهو جامع وجامعة منذ أكثر من ألف سنة.وسنبدأ بالجامع الأزهر وتامل منهجه من أين ينبع ومم يتكون ومواصفات العالم الذي يدرس في هذه الجامعة العريقة . جديربالذكر أن منهج مدرسة الأزهر العلمي قد تأثر بشدة بسبب القانون رقم 103 لسنة 1961 بشأن إعادة تنظيم الأزهر وماأدي اليه من اهتمام بالكم علي حساب الكيف أي بعدد الطلاب والخريجين علي حساب جودة وكفاءة هذا الطالب والخريج ، كذلك تبعية الازهر للدولة المصرية وحرمانه من استقلاليته التي كان لها دور كبير في الحفاظ علي منهج هذه المدرسة العلمية .
يشرح الدكتور عبد الفضيل القوصي الأستاذ بقسم العقيدة والفلسفة في كلية أصول الدين بالجامع الأزهر منهج المدرسة الأزهرية بأنه ليس عبارة عن مجموعة من العلوم المكدسة دون نظام أو ترتيب ، أو منهج يقوم علي حشو الأذهان بتلك العلوم القديمة بطريقة عشوائية اعتباطية ، فالمنهج الأزهري منظومة متماسكة تتكون من دوائر ثلاث متتابعة : الدائرة الخاصة ، ثم الدائرة العامة ، ثم دائرة الضوابط والمواجهات الحاكمة للدائرتين السابقتين .
·         أما الدائرة الأولي ، وهي الدائرة الخاصة فهي تتعلق بالعلم الخاص المفرد كعلم الفقه مثلا ، وكذا غيره من العلوم
·         أما الدائرة الثانية ، فتتعلق بعلاقة هذا العلم الخاص بغيره من العلوم الإسلامية ورتبته ودرجته بين العلوم الاخري ، وما هي العلوم التي ينبغي تعلمها قبل الإقدام علية ، وما هي العلوم التي ينبغي تعلمها بعد أن يكتمل هذا العلم
·         أما الدائرة الثالثة ، فهي الضوابط والمواجهات التي تتعلق بالدائرتين السابقتين من حيث أخلاقياتها وآدابها وتوجيهها لمنفعة الناس ولحسن العلاقة مع الله تعالي .
في الدائرة الأولي المتعلقة بالعلم الخاص المفرد يحتاج الطالب الأزهري – حين يخطو أول خطواته فيه – أن يعرف عشرة أمور وهي باختصار شديد : تعريفه ، موضوعه ، وثمرة البحث فيه ، وفضله ، ومن الذي ابتكره ، وما هي أسماؤه ، وما مصادره ومراجعه ، وما حكم الشرع في تعلمه ، وما هي رؤوس مسائله التي يبحث فيها
هذه الأمور العشرة هي بمثابة الأهداف التي يضعها الطالب الأزهري نصب عينيه ، وهو يدرس أي علم من العلوم ، لكي يراجع نفسه في كل فترة عن مقدار ما أنجزه من هذه الأهداف ، وما الذي قصر فيه ، وما أسباب قصوره .
في الدائرة الثانية: يتم وضع هذا العلم الخاص – كعلم الفقه في مثالنا السابق – في مكانه من منظومة العلوم الإسلامية الشاملة ، ذلك أن هناك علوماً تسمي أحيانا (علوم الآلة) أو علوم (الوسائل) لابد من دراستها (قبل) البدء في دراسة علوم أخري تالية ، وهناك علوم تسمي أحيانا (علوم الغايات) أو (المقاصد) تلزم دراستها (بعد) جراية هذا العلم الخاص ، كما لا يسمح للطالب الأزهري أن يدرس (الموسوعات) في أي علم من تلك العلوم إلا بعد أن يدرس (المختصرات ) ولا يسمح له بدراسة الشروح والحواشي والهوامش إلا بعد دراسة المتون ، والتلخيصيات لكي تكون خطواته العلمية متدرجة بحسب قدراته وإمكاناته العقلية والعمرية والنفسية .
يهمنا هنا في هذه الدائرة الثانية أن نذكر أن العقلية الأزهرية ابتكرت علمين دقيقين لتقنين النقاش بين جميع العلوم المشتركة في 

الدائرة الثانية : هما علم أدب البحث والمناظرة ، وعلم الخلاف ، ويضم هذان العلمان مجموعة متكاملة من الضوابط التي تقنن اختلاف الآراء ، حتي لا يتحول النقاش العلمي إلي "جدل عقيم" ، فالمقصود الأول في العقلية الأزهرية هو تحري الحقيقة المجردة ، والقبول بتعددية الآراء ووزنها جميعا بميزان الشرع والعقل
ومن هذه "الضوابط" علي سبيل المثال : عدم التعجل في إصدار الأحكام ، وموضوعية النقاش ، والاتفاق منذ البدء علي محور الاختلاف ومحاور الاتفاق ، والتفرقة بين الأمور القطعية التي ينبغي الاتفاق عليها أولا ، وبين الأمور الظنية القابلة لتعدد الآراء

الدائرة الثالثة: دائرة الضوابط والمواجهات الحاكمة لكل من الدائرتين السابقتين
فالمنهج الأزهري يغرس في الذهنية الأزهرية : التواضع في طلب العلم ، واقتران العلم بالعمل ، والخشية من الله تعالي والخوف منه سواء في التعلم أو التعليم ، ويحذر المنهج الأزهري من ان يكون الهدف من طلب العلم : علو المنزلة بين الناس ، أو التكسب المادي ، كما يحذر من الجرأة علي دين الله تعالي ، ويأمر بان يوظف العلم في خدمة الإنسانية ، وفي تيسير الحياة علي الناس ، وفي إصلاح حال الدنيا حضارة وعمرانا وتقدما .

هذا المنهج الأزهري المتميز بمكوناته الثلاثة السابقة يثمر ما ندعوه (الشخصية الأزهرية ) التي يعرفها الناس جميعا ، والتي تتمثل فيها عدة خصائص :
أولاها: رحابة الأفق وقبول التعددية في الاتجاهات المختلفة في الموضوع الواحد ، والموضوعات المختلفة ، ومقابلة الرأي بالرأي ، والحجة بالحجة ، والبرهان بالبرهان
ثانيها: التوسط بين الآراء المختلفة ومحاولة الجمع بينهما ، وهو ما يسمي في التراث الأزهري ( إزالة التعارض بين المختلفات) ، ففي مجال الفقه المقارن مثلاً – وكذلك في مجال أصول الفقه ، وكذلك في مجال العقائد وغيرها – تتمتع الشخصية الأزهرية بالقدرة علي المقارنات المتعمقة بين المذاهب والخروج منها بالوسط الذهبي – إذا استخدمنا التعبير الأرسطي – وهذه المقارنات تدريب المقارنات تدرب الشخصية الأزهرية علي عدم التسليم برأي ما لم يكن قائماً علي أساس سليم ، حتي ولو صدر هذا الرأي من أستاذ يتمتع بشهرة واسعة في العلم الذي يدرسه ، فالمبدأ الذي يحفظه الأزهري منذ صغره ( لا تعرف الحق بالرجال ، ولكن اعرف الحق تعرف أهله) ، ولقد حفظ التراث الأزهري قدراً من المناقشات التي كانت تثور بين الآباء الأساتذة والأبناء التلامذة . وفي مجال العقائد نجد الطالب الأزهري منذ نعومة إظفاره يتعرف علي أراء الفلاسفة وأراء المعتزلة وأراء الماتريدية والاشاعرة والامامية والزيدية ، ويناقشها في ضوء النقل والعقل مناقشة مستفيضة مطولة
ثالثها: أن الشخصية الأزهرية بمكوناتها الثلاثة التي ذكرناها تنفر نفوراً شديداً من (التكفير ) ، بل كل ما يؤدي إلي التكفير ، ذلك أن الطالب الأزهري يدرك منذ نشأته أن اخطر الفتن التي تؤدي إلي فرقة المسلمين وانقسامهم وتفتت كلمتهم هو التكفير ، فالطالب الأزهري يدرس مثلاً كتاب (فيصل التفرقة) للإمام الغزالي ، وكتاب (جوهرة التوحيد ) أو غيرها من الكتب الأزهرية فيجد في ذاته الباطنه خوفاً هائلاً ورعبا شديدًا من الاتهام (بالتكفير) دون مراجعة وبحث وتدقيق ، بل انه يميل إلي التماس الأعذار لمن يختلف معه في الرأي حتي يبتعد النقاش عن هذه الدائرة المخيفة (دائرة التكفير) ، ولو أن هذه القيمة الأزهرية سادت بين المسلمين لتجنب العالم كله ويلات الإرهاب والعنف والتدمير.
كذلك قام الشيخ أسامة السيد محمود الأزهري في ورقة عمل "الإحياء الكبيرلمعالم الأزهر المنير" باستخراج عدد من السمات والخصائص والمكونات التي تميز المنهج الأزهري وتفرقه عن المناهج الأخري:
1.      المكون الأول: اتصال السند رواية ودراية وتزكية: فعلوم المنهج الأزهري ومعارفه متوارثة منقولة، متصلة الإسناد، يتلقاها كل جيلعن الجيل الذي قبلهمن خلال التلقي والصحبة الطويلة للعلماء إلي أن يقع منهم الإذن والإجازة له بالرواية والتدريس والتأليف وتعليم العلم ، وذلك بخلاف المناهج الأخري فهي مقطوعة مبتورة، يتصدر فيها أحدهم دون مصاحبة للعلماء .
2.      المكون الثاني: العناية بتحصيل علوم الآله: وهي علو النحو والصرف والاشتقاق، والبلاغة بفنونها، وأصول الفقه وعلوم الحديث وغيرذلك من العلوم التي تعين وتؤهل المتعلم وتمكنه من الخوض في فهم الكتاب والسنة
3.      المكون الثالث: الإلمام والإحاطة بمقاصد الشريعة:وينتج ذلك من طول مصاحبة العلماء ومن تحصيل علوم الآله تفتح البصيرة علي إدراك مقاصد الشرع الشريفوهي تحقيق عبادة الله وتزكية النفس وتطهيرها وعمارة الأرض وتحصيل مكارم الأخلاق وبناء الحضارة وصناعة النهضة . ذلك بخلاف المناهج الأخري فإنها لا تعرفمقاصد الشريعةولا تدريها ولا يرد شيء من ذكر المقاصد الشرعيةفي كلامها ولا يظهرفي فهمها وتطبيقها.
4.      المكون الرابع: تنزيل القرآن الكريم علي مواضعه:ينتج مماسبق أثرمهم جدا هو تمكن صاحب هذا المنهج من قراءة القرآن، فينزل آياته الكريمة في مواضعها فلا ينطلق إلي آية نزلت في المؤممنين فينزلها علي الكافرين، ولا ينطلق في آية نزلت في أمرعام فينزلها علي خاص، وذلك بخلاف عدد من المناهج التي تخوض في فهم القرآن دون أدني بصيرة فتنتج فهما مشوها .
5.      المكون الخامس: تعظيم شأن الأمة المحمدية: فيدرك طالب العلم نتيجة لكلما سبق عظمة شأن الأمة المحمدية وأنها وعاء الإسلام وأنها أمة علم وهداية ومرحمة ووراثة للنبيين وأن لها وظيفة بين الأمم وهي الهدايةوتبليغ الشرع إلي الأمم ، وأنها ينبغي أن تشارك في صناعة ثقافة العالم مشاركة مؤثرة، بحيث تكون الأمة دالة علي الله بعلومها وفنونها وآدابها وقيمها ومعارفها في مجالات العلوم المختلفة .
6.      المكون السادس: حمل هم الهداية العامة فمن أهم سمات المنهج الأزهري أن يغرس في نفوس أبنائه هذا المعني الجليل بخلاف المناهج الأخري التي ليس في خطابها أي التفات إلي حقوق الأمم علينا .
7.      المكون السابع: المكونات الكاملة للعلم: يربي المنهج الأزهري أبنائه ان العلم مركب من ثلاثة أمور:
·         المصادروالأدلة من الكتاب والسنة والإجماع والقياس
·         المنهج المعتمد والمنضبط في فهم النصوص وكيفية تحليلها واستخراج معانيها
·         المواصفات والملكات والمواهب التي لابد من توافرها في الشخص القائم بالتبحر والتخصص في علوم الشريعة
المناهج الأخري فقد مزقت العلم وجعلته أشلاءوصار الواحدمنهم لا يفهم من العلم إلا كلمة الدليل دون معرفة بوجه الدلالة ولا بكيفية جمع الأدلة الواردة في كل مسألة ثم كيفية مزجها وتركيبها ثم كيفية فهمها وتحليلها مع مراعاة حال الشخص القائمبالفهم ، والتثبت من أن مواهبه وملكاته وقدراته مواتية لكل ذلك .
8.      المكون الثامن: الإستفادة من تراث الأمة ، والانفتاح عليه والتواصل معه والبناء عليه: من أهم خصائص المنهج الأزهري أنه منهج مستوعب لتراث الأمة ومتواصل معه ويعرفله قيمته وأصالته ويعرف كيف ينتقي منه كل مفيد وجليل ويعرف كيف يبني عليه ، وكيف يضيف إليه بخلاف عدد من المناهج الأخري التي تصنع قطيعة وهجرا وتضليلا لتراث أمة الإسلام .